الرُّوح ؛ بالضم : خلقٌ من مخلوقات الله عَزَّ وجَلَّ ، أضيفت إلى الله إضافة ملكٍ وتشريفٍ لا إضافة وصف ؛ فهو خالقها ومالكها ، يقبضها متى شاء ويرسلها متى شاء سبحانه ، وقد وردت في الكتاب والسنة مضافة إلى الله عَزَّ وجَلَّ في عدة مواضع.
• ذكرها في الكتاب :
1- قولـه تعالى :
«وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ» [النساء : 171 ].
2- وقولـه :
«فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي»[الحجر : 29،ص : 72]
3- وقولـه :
«فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيَّاً» [ مريم : 17].
4- وقولـه :
«ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ» [ السجدة : 9].
• ذكرها في السنة :
1- حديـث أبي هريرة رضي الله عنه في استفتاح الجنة ، وفيه :
« فيأتون آدم ثم موسى عليهما السلام ، فيقول : اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه». رواه مسلم (195).
2- حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الشفاعة ، وفيه :
«يا آدم! أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه فيأتون عيسى ، فيقولون : يا عيسى!أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». رواه : البخاري (3340 ، 4712) ، ومسلم (194).
أقوال العلماء في (الرُّوح) المضافة إلى الله تعالى 1- قال ابن تيمية في((الجواب الصحيح)) (3/145) :
فليس في مجرد الإضافة ما يستلزم أن يكون المضاف إلى الله صفة له ، بل قد يضاف إليه من الأعيان المخلوقة وصفاتها القائمة بها ما ليس بصفة له باتفاق الخلق ؛ كقولـه تعالى: « بيت الله» ، و «ناقة الله» ، و«عباد الله» ، بل وكذلك «روح الله» عند سلف المسلمين وأئمتهم وجمهورهم ، ولكن ؛ إذا أضيف إليه ما هو صفة له وليس بصفة لغيره ؛ مثل كلام الله ، وعلم الله ، ويد الله … ونحو ذلك ؛ كان صفة له
وقال في ((مجموع الفتاوى)) (9/290) :
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((الريح من روح الله)) ؛ أي : من الروح التي خلقها الله ، فإضافة الروح إلى الله إضافة ملك، لا إضافة وصف ؛ إذ كل ما يضاف إلى الله إن كان عيناً قائمة بنفسها فهو ملك له ، وإن كان صفة قائمة بغيرها ليس لها محل تقوم به ؛ فهو صفة لله ؛ فالأول كقولـه «نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا» ، وقولـه :«فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا»، وهـو جبريل ، «فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيَّاً قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تقِيَّاً قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيَّاً » ، وقال : « وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا» ، وقال عن آدم : «فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ»
2- وقال ابن القيم في ((كتاب الروح)) (ص 501) :
فصل : وأما المسألة السابعة عشرة ، وهي : هل الروح قديمة أم محدثة مخلوقة؟ وإذا كانت محدثة مخلوقة ، وهي من أمر الله ؛ فكيف يكون أمر الله محدثاً مخلوقاً؟ وقد أخبر سبحانه أنه نفخ في آدم من روحه ؛ فهذه الإضافة إليه هل تدل على أنها قديمة أم لا؟ وما حقيقة هذه الإضافة ؛ فقد أخبر عن آدم أنه خلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، فأضاف اليد والروح إليه إضافة واحدة؟.
فهذه مسألة زلَّ فيها عالم ، وضل فيها طوائف من بني آدم ، وهدى الله أتباع رسوله فيها للحق المبين والصواب المستبين ، فأجمعت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم على أنها محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبرة ، هذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ؛ كما يُعلم بالاضطرار من دينهم أنَّ العالم حادث ، وأن معاد الأبدان واقع ، وأن الله وحده الخالق ، وكل ما سواه مخلوق له ، وقد انطوى عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم - وهم القرون المفضلة - على ذلك من غير اختلاف بينهم في حدوثها وأنها مخلوقة ، حتى نبغت نابغة ممَّن قصر فهمه في الكتاب والسنة ، فزعم أنها قديمة غير مخلوقة ، واحتج بأنها من أمر الله ، وأمره غير مخلوق ، وبأن الله تعالى أضافها إليه كما أضاف إليه علمه وكتابه وقدرته وسمعه وبصره ويده ، وتوقف آخرون فقالوا : لا نقول مخلوقة ولا غير مخلوقة
ثم نقل كلام الحافظ أبي عبد الله بن منده والحافظ محمد بن نصر المروزي ، وهما ممن يقولان بأنها مخلوقة ، ثم قال :
ولا خلاف بين المسلمين أنَّ الأرواح التي في آدم وبنيه وعيسى ومَن سواه من بني آدم كلها مخلوقة لله ، خلقها وأنشأها وكوَّنها واخترعها ، ثم أضافها إلى نفسـه كما أضاف إليه سائر خلقه،قال تعالى : « وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ»[الجاثية : 13]
3- وقال ابن كثير في ((التفسير)) (الآية الرابعة والحديث الثاني)
فقولـه في الآية والحديث : «وَرُوحٌ مِنْهُ » ؛ كقولـه : «وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ» ؛ أي : من خلقه ومن عنده ، وليست (من) للتبعيض ؛ كما تقول النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة ، بل هي لابتداء الغاية ، وقد قال مجاهد في قولـه : : «وَرُوحٌ مِنْهُ» ، أي ورسول منه ، وقال غيره : ومحبة منه ، والأظهر الأول ؛ أنه مخلوق من روح مخلوقة ، وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف؛ كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله
لكن روى الإمام أحمد في ((المسند)) (5562 شاكر) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً : « حتى لا يبقى في الأرضين إلا شرار أهلها ، وتلفظهم أرضوهم ، وتقذرهم رُوح الرحمن عزَّ وجلَّ». قال الشيخ أحمد شاكر : ((إسناده ضعيف)) ، ولكن الغريب أنه علق على الحديث بقولـه : ((روح الرحمن من الصفات التي يجب الإيمان بها دون تأويل أو إنكار ، من غير تشبيه ولا تمثيل ، «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ » ، سبحانه وتعالى))!
قلت : هذا مردود بما سبق ، والحديث ضعيف.
نقل أبو موسى المديني في ((المجموع المغيث)) (1/812-814) كلاماً نافعاً جدّاً لأبي إسحاق إبراهيم الحربي عن الاختلاف في قراءة وتفسير (الرّوْح) ؛ فراجعه إن شئت.
فائدة :
قال شيخ الإسلام في ((الجواب الصحيح)) (4/50) :
لم يعبر أحدٌ من الأنبياء عن حياة الله بأنها رُوُحُ الله فمن حمل كلام أحدٍ من الأنبياء بلفظ الروح أنه يراد به حياة الله فقد كذب
المصدر: كتاب "صِفَاتُ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ الْوَارِدَةُ فِي الْكِتَابِ وَ السُّنَّة"ِ