جعل بعضهم (الجنب) صفةً من صفات الله الذاتية ، وهذا خطأ ، والسلف على خلاف ذلك.
ومـن هؤلاء الذين أثبتوا هذه الصفة صديق حســن خان في كتابه ”قطف الثمر“ (ص67) ، والذين أثبتوا هذه الصفة يستدلون بقولـه تعالى :
«أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ» (الزمر : 56).
يقول ابن جرير عند تفسير هذه الآية :
وقولـه : «عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّه» ؛ يقول : على ما ضيعت من العمل بما أمرني الله به ، وقصرت في الدنيا في طاعة الله
وقال الدارمي في ((رده على المريسي)) (ص 184) :
وادعى المعارض أيضاً زوراً على قوم أنهم يقولون في تفسـير قول الله :
« يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ»؛ قال : يعنون بذلك الجنب الذي هو العضو ، وليس على ما يتوهمونه.
فيقال لهذا المعارض : ما أرخص الكذب عندك، وأخفه على لسانك، فإن كنت صادقاً في دعواك ؛ فأشر بها إلى أحد من بني آدم قاله ، وإلا ؛ فلم تشنع بالكذب على قوم هم أعلم بهذا التفسير منك ، وأبصر بتأويل كتاب الله منك ومن إمامك ؟! .
إنما تفسيرها عندهم : تحسر الكفار على ما فرطوا في الإيمان والفضائل التي تدعو إلى ذات الله تعالى ، واختاروا عليها الكفر والسخرية بأولياء الله ، فسماهم الساخرين ، فهذا تفسير (الجنب) عندهم ، فمن أنبأك أنهم قالوا : جنب من الجنوب ؟! . فإنه [لا] يجهل هذا المعنى كثير من عوام المسلمين ، فضلاً عن علمائهم
ويقول شيخ الإسلام في ((الجواب الصحيح)) (3/145 ، 146) :
لا يُعرف عالم مشهور عند المسلمين ، ولا طائفة مشهورة من طوائف المسلمين ، أثبتوا لله جنباً نظير جنب الإنسان ، وهذا اللفظ جاء في القرآن في قولـه :
«أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ» (الزمر:56) فليس في مجرد الإضافة ما يستلزم أنَّ يكون المضاف إلى الله صفة له، بل قد يضاف إليه من الأعيان المخلوقة وصفاتها القائمة بها ما ليس بصفة له باتفاق الخلق ؛ كقولـه تعالى :
«بَيْت الله» ،
«ناقَة الله» ، و
«عِبَاد الله» ، بل وكذلك
«رُوح الله» عند سلف المسلمين وأئمتهم وجمهورهم ، ولكن ؛ إذا أضيف إليه ما هو صفة له وليس بصفة لغيره؛ مثل كلام الله ، وعلم الله ، ويد الله ، ونحو ذلك ؛ كان صفة له.
وفي القرآن ما يبين أنه ليس المراد بالجنب ما هو نظير جنب الإنسان ؛ فإنه قال : «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ» ، والتفريط ليس في شيء من صفات الله عَزَّ وجَلَّ ، والإنسان إذ قال : فلان قد فرط في جنب فلان أو جانبه ؛ لا يريد به أنَّ التفريط وقع في شيء من نفس ذلك الشخص ، بل يريد به أنه فرط في جهته وفي حقه.
فإذا كان هذا اللفظ إذا أضيف إلى المخلوق لا يكون ظاهره أنَّ التفريط في نفس جنب الإنسان المتصل بأضلاعه ، بل ذلك التفريط لم يلاصقه ؛ فكيف يظن أنَّ ظاهره في حق الله أنَّ التفريط كان في ذاته ؟!
ويقول ابن القيم في ((الصواعق المرسلة)) (1/250) :
فهذا إخبار عما تقولـه هذه النفس الموصوفة بما وصفت به ، وعامة هذه النفوس لا تعلم أنَّ لله جنباً ، ولا تقر بذلك ؛ كما هو الموجود منها في الدنيا ؛ فكيف يكون ظاهر القرآن أنَّ الله أخبر عنهم بذلك ، وقد قال عنهم : «يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ» (الزمر : 56) ، والتفريط فعل أو ترك فعل، وهذا لا يكون قائماً بذات الله ؛ لا في جنب ولا في غيره ، بل يكون منفصلاً عن الله ، وهذا معلوم بالحس والمشاهدة ، وظاهر القرآن يدل على أنَّ قول القائل : «يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ» ؛ ليس أنه جعل فعله أو تركه في جنب يكون من صفات الله وأبعاضه
لا يصح إضافة الأبعاض إلى الله تعالى.
وذكر ابن الجوزي في ((زاد المسير)) عند تفسير الآية السابقة خمسة أقوال لجنب الله : طاعة الله ، وحق الله ، وأمر الله ، وذكر الله ، وقرب الله.
المصدر: كتاب "صِفَاتُ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ الْوَارِدَةُ فِي الْكِتَابِ وَ السُّنَّة"ِ