الخداعُ صفةٌ من صفات الله عَزَّ وجَلَّ الفعليَّة الخبريَّة الثابتة بالكتاب والسنة ، ولكنه لا يوصف بها على سبيل الإطلاق ، إنما يوصف بها حين تكون مَدْحاً.
• الدليل من الكتاب :
قول الله تعالى :
«إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ» [النساء : 142] .
• الدليل من السنة :
حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه ، أنَّ أم كلثوم بنت عقبة كانت عنده ، فقالت له وهي حامل : طيِّب نفسي بتطليقة . فطلقها تطليقة، ثم خرج إلى الصلاة ، فرجع وقد وضعت ، فقال : ما لها خدعتني خدعـها الله؟! ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال
«سبق الكتاب أجله ، اخطبها إلى نفسها» رواه ابن ماجه (2026) والبيهقي (7/421) ؛ وانظر : ”إرواء الغليل“ (7/197) .
قال ابن القيم في ((إعلام الموقعين)) (3/229) بعد أنَّ ذكر آيات في صفة (الكيد) و(المكر) :
قيل : إنَّ تسمية ذلك مكراً وكيداً واستهزاءً وخداعاً من باب الاستعارة ومجاز المقابلة؛ نحو : «وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا» ، ونحو قولـه : «فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ» ، وقيل -وهو أصوب- : بل تسميته بذلك حقيقة على بابه ؛ فإنَّ المكر إيصال الشيء إلى الغير بطريق خفي ، وكذلك الكيد والمخادعة
قلت : قولـه عن القول الثاني : ((وهو أصوب)) : قد يوهم أنَّ الأول صواب ، والحق أنَّ القول الأول باطل مخالف لطريقة السلف في الصفات ، وانظر كلامه رحمه الله في ((مختصر الصواعق المرسلة)) (2/33-34) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن بار في ((الفتح)) (3/300) معقباً على الحافظ ابن حجر لَمَّا تأوَّل صفةً من صفات الله :
هذا خطأ لا يليق من الشارح ، والصواب إثبات وصف الله بذلك حقيقة على الوجه اللائق به سبحانه كسائر الصفات ، وهو سبحانه يجازي العامل بمثل عمله ، فمن مكر ؛ مكر الله به ، ومن خادع ؛ خادعه ، وهكذا من أوعى ؛ أوعى الله عليه ، وهذا قول أهل السنة والجماعة ؛ فالزمه ؛ تفز بالنجاة والسلامة ، والله الموفق
وسئل الشيخ العثيمين -رحمه الله- في ((المجموع الثمين)) (2/66) : هل يوصف الله بالخيانة والخداع كما قال الله تعالى : «يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ» فأجاب بقولـه :
أما الخيانة ؛ فلا يوصف الله بها أبداً ؛ لأنها ذم بكل حال ؛ إذ إنها مكر في موضع الإئتمان، وهو مذموم ؛ قال الله تعالى :
«وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ» [الأنفال : 71] ، ولم يقل : فخانهم .
وأما الخداع ؛ فهو كالمكر ، يوصف الله تعالى به حين يكون مدحاً ، ولا يوصف به على سبيل الإطــلاق ؛ قال الله تعالى : «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُـمْ» [النساء : 142]
وانظر كلام ابن جرير الطبري في صفة (الاستهزاء) ؛ فإنه مهم ، وكلام الشيخ محمد بن إبراهيم في صفة (الملل).
المصدر: كتاب "صِفَاتُ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ الْوَارِدَةُ فِي الْكِتَابِ وَ السُّنَّة"ِ