مِنْ بَعْض آثَارِ الجَمِيلِ فَرَبُّهَا -- أَوْلْى وَأجْدرُ عِنْدَ ذِي العِرْفَانِ
فَجَمَالُهُ بِالذَّاتِ والأوصَافِ وَالـ -- ـأفعَالِ وَالأسْمَاءِ بالبُرهَانِ
لا شَيءَ يُشْبِهُ ذَاتَهُ وصِفَاتِهِ -- سُبْحَانَهُ عَنْ إفْكِ ذِي بُهْتَانِ
وقال الهرَّاس في ((الشرح)) :
أما جمال الذات ؛ فهو ما لا يمكن لمخلوق أنَّ يعبر عن شيء منه أو يبلغ بعض كنهه ، وحسبك أنَّ أهل الجنة مع ما هم فيه من النعيم المقيم وأفانين اللذات والسرور التي لا يقدر قدرها ، إذا رأوا ربهم ، وتمتعوا بجماله ؛ نسوا كل ما هم فيه ، واضمحل عندهم هذا النعيم ، وودوا لو تدوم لهم هذه الحال، ولم يكن شيء أحب إليهم من الاستغراق في شهود هذا الجمال ، واكتسبوا من جماله ونوره سبحانه جمالاً إلى جمالهم ، وبقوا في شوق دائم إلى رؤيته ، حتى إنهم يفرحون بيوم المزيد فرحاً تكاد تطير له القلوب.
وأما جمال الأسماء ؛ فإنها كلها حسنى ، بل هي أحسن الأسماء وأجملها على الإطلاق ؛ فكلها دالة على كمال الحمد والمجد والجمال والجلال ، ليس فيها أبداً ما ليس بحسن ولا جميل.
وأما جمال الصفات ؛ فإنَّ صفاته كلها صفات كمال ومجد ، ونعوت ثناء وحمد ، بل هي أوسع الصفات وأعمها ، وأكملها آثاراً وتعلقات ، لا سيما صفات الرحمة والبر والكرم والجود والإحسان والإنعام.
وأما جمال الأفعال ؛ فإنها دائرة بين أفعال البر والإحسان التي يحمد عليها ويشكر ، وبين أفعال العدل التي يحمد عليها لموافقتها للحكمة والحمد ؛ فليس في أفعاله عبث ولا سفه ولا جور ولا ظلم ، بل كلها خير ورحمة ورشد وهدى وعدل وحكمة ، قال تعالى : «إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»، ولأنَّ كمال الأفعال تابع لكمال الذات والصفات ؛ فإنَّ الأفعال أثر الصفات، وصفاته كما قلنا أكمل الصفات ؛ فلا غرو أنَّ تكون أفعاله أكمل الأفعال